An official website of the United States Government Here's how you know

Official websites use .gov

A .gov website belongs to an official government organization in the United States.

Secure .gov websites use HTTPS

A lock ( ) or https:// means you’ve safely connected to the .gov website. Share sensitive information only on official, secure websites.

  من الواضح أن أي صواريخ ومدفعية روسية لن تنجح في كسر وحدتنا وإخراجنا من مسارنا. ويجب أن يكون واضحًا أيضًا أنه لا يمكن كسر الوحدة الأوكرانية بالأكاذيب أو الترهيب أو المعلومات المزيفة أو نظريات المؤامرة.»الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، 16 تموز/يوليو 2022

في 24 شباط/فبراير 2022، استيقظ الملايين في أوكرانيا على عاصفة من أصوات صفارات الإنذار من الغارات الجوية التي لم تُسمع منذ 80 عامًا. لقد شنت روسيا غزوًا شاملا واسع النطاق. وفي الفترة التي سبقت ذلك الصباح المشؤوم، وفي العام الذي تلا هذا التاريخ، نشرت منظومة التضليل الإعلامي والدعاية الروسية مجموعة من السرديات الكاذبة لخداع العالم بشأن نوايا الكرملين الإمبريالية الجديدة، وتصوير حربه المختارة ضد أوكرانيا لشعب روسيا على أنها حرب الرد الضروري على التهديدات المزعومة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومحاولة تبرير حرب غير مبررة. غيّر الكرملين بشكل روتيني مزاعمه الزائفة لصرف الانتباه عن إخفاقاته في ساحة المعركة وعزلته السياسية. سيسلط هذا التقرير الضوء على خمس من أبرز السرديات الكاذبة التي نشرتها منظومة التضليل الإعلامي والدعاية الروسية: 1) الناتو حاصر روسيا قبل غزو شباط/فبراير 2022؛ 2) أوكرانيا ترتكب إبادة جماعية في دونباس؛ 3) الحكومة الأوكرانية تحتاج إلى “التطهير من النازية ومحو الطابع العسكري“؛ 4) استعادة القيم التقليدية تتطلب “نزع الشيطنة” من أوكرانيا؛ 5) روسيا يجب أن تقاتل في أوكرانيا للدفاع عن سيادتها ضد الغرب.

السردية الكاذبة رقم 1: “تطويقها” من قِبل الناتو، وروسيا “ليست المعتدي”

من بين أول التبريرات التي لفقها الكرملين للحرب هو الادعاء الكاذب بأن حلف شمال الأطلسي و”الغرب” هما معتديان يهددان أمن روسيا. وعلى مدى الأشهر التي سبقت 24 شباط/فبراير 2022، طالبت روسيا بضمانات أمنية بما في ذلك قيود على انضمام الدول إلى الناتو، وهو موقف يرفض الحق السيادي لأوكرانيا والدول الأخرى في اختيار سياستها الخارجية. وبينما حشدت موسكو ما يصل إلى 190 ألف جندي على الحدود الأوكرانية، نشرت وزارة الخارجية الروسية معلومات مضللة للتعتيم على نوايا الكرملين، مدعية أن القوات الروسية لم تكن على الحدود مع أوكرانيا بينما اتهمت الولايات المتحدة وحلفاءها بإثارة الهستيريا. وألقى الرئيس بوتين باللوم زورا على الناتو في تصعيد التوترات، وادعى أنه لم يكن يخطط للقيام بالغزو، واتهم الولايات المتحدة باستخدام أوكرانيا “كأداة لاحتواء روسيا“. وبهدف إبعاد اللوم، قامت وسائل التضليل الإعلامي المرتبطة بجهاز الأمن الاتحادي الروسي (FSB)، ومديرية المخابرات العسكرية (GRU)، وجهاز المخابرات الأجنبية (SVR)، بتضخيم الادعاءات الكاذبة، واصفةً تحذيرات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بشأن احتمال قيام روسيا بشنّ هجوم عسكري ضد أوكرانيا بـ “الهستيريا الغربية” من أجل “جر أوكرانيا إلى الحرب“.

على مدار عام الحرب، حوّل الكرملين سردية التضليل الإعلامي هذه عن الجهود الغربية التي تدفع من أجل الحرب إلى سردية تقول إنه من خلال مساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، فإن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يعملان على إطالة أمد الحرب أو تصعيدها. بعد الاجتماع الوزاري لحلف الناتو في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، زعم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن “أغلبية العالم” تتفهم التهديدات التي يشكلها الناتو، وألقى باللوم على الحلف في دفع أوكرانيا لمواصلة الحرب. واستشهدت منافذ التضليل الإعلامي، مثل ’نيوز فرونت‘، المكلفة من جهاز الأمن الاتحادي الروسي، وسبوتنيك التي تديرها الدولة، بـ “الخبراء” المزعومين الذين جادلوا بأنه من خلال التعهد بمزيد من المساعدة لأوكرانيا، فإن حلف الناتو “يسكب الزيت على النار”. وحذرت مؤسسة الثقافة الاستراتيجية التي يديرها جهاز المخابرات الأجنبية الروسي ومجلة ’أورينتال ريفيو‘ من أن أوكرانيا ستحاول “جر الناتو إلى حرب داخل حدود أوكرانيا” وادعت أنها أثبتت أن الناتو هو من أثار الصراع في أوكرانيا.

يعيد الكرملين إحياء سردية التضليل الإعلامي هذه عندما يعلن شركاء أوكرانيا عن المزيد من المساعدة العسكرية لأوكرانيا. آخر تحريف يتهم الناتو برهاب روسيا بعد أن وافقت الولايات المتحدة وألمانيا على تزويد أوكرانيا بدبابات إم 1 أبرامز وليوبارد الحديثة. وقام نائب وزير الخارجية ريابكوف بترديد هذه السردية كالببغاء في كانون الثاني/يناير 2023 مدعيًا أن “الناتو بإصرار مجنون … زحف باستمرار إلى الحدود الروسية، وفي الوقت نفسه غمر البلدان المجاورة لنا بقصص مرعبة عن رهاب روسيا.”

تنشر روسيا معلومات مضللة تصور الناتو على أنه المعتدي للتعتيم على الحقائق. روسيا وحدها هي التي بدأت هذه الحرب وليس أوكرانيا. روسيا هي المعتدي وليس الناتو. وكما صرح وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أمام مجلس الأمن الدولي في 22 أيلول/سبتمبر 2022، أنه “إذا أوقفت روسيا القتال، تنتهي الحرب. وإذا توقفت أوكرانيا عن القتال، ستنتهي أوكرانيا.”

بينما روجت روسيا لأسطورة عدوان الناتو، حاولت في الوقت نفسه تصوير أوكرانيا بشكل خاطئ على أنها تخطط لعمل عسكري ضد عرقية الروس في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا. وفي كانون الثاني/يناير 2022، زعم مسؤولو الاتحاد الروسي أن كييف أرسلت “نصف أفرادها العسكريين” إلى المناطق التي تحتلها روسيا في دونباس وأن أوكرانيا زادت من هجماتها على ما يسمى جمهوريتا دونيتسك ولوهانسك الشعبيتان. وادعى الكرملين أن توغل كييف في منطقة دونباس التي تسيطر عليها روسيا كان وشيكا، في حين زعمت السلطات الوكيلة لروسيا أن أوكرانيا تعتزم استخدام الأسلحة الكيميائية على طول خط التماس بين القوات الدفاعية الأوكرانية والقوات التي تنشرها روسيا ووكلاؤها في أوكرانيا. ازدادت وتيرة هذا الادعاء الكاذب في أعقاب الكشف الأميركي عن خطط الكرملين لإجراء عملية ’عَلَم زائف‘ في دونباس التي تسيطر عليها روسيا لخلق ذريعة لغزو آخر. قامت الولايات المتحدة بتثبيط هذه السردية مسبقا في 3 شباط/فبراير من خلال فضح مؤامرة الكرملين لاستخدام مقطع فيديو ملفق من قِبل المخابرات الروسية مليء بمشاهد مصورة من الانفجارات والجثث والمباني والمعدات العسكرية المدمرة والممثلين الذين يتظاهرون بأنهم مشيعون. كما اتهمت منظومة التضليل الإعلامي والدعاية الروسية أوكرانيا زورا بالإرهاب، زاعمةً أن أوكرانيا كانت تُعد لـ “كارثة كيميائية“، وتكهنت بأن أوكرانيا ستشن “ضربة ساحقة” على محطة الطاقة النووية في زابوريجيا.

حوّل الرئيس بوتين سردية التضليل الإعلامي هذه إلى ذريعة للحرب. ففي بيان صدر في 15 شباط/فبراير، زعم كذبًا أن “الإبادة الجماعية تحدث في دونباس”. وبعد بيان بوتين، فتحت لجنة التحقيق الروسية قضية جنائية تتعلق بمزاعم “الدفن الجماعي للمدنيين” في دونباس. واصل جهاز التضليل الإعلامي والدعاية التابع للكرملين الترويج لسرديات كاذبة تتهم أوكرانيا بارتكاب “إبادة جماعية”، بما في ذلك من خلال الموقع الإلكتروني “مأساة دونباس” الذي تديره المخابرات العسكرية الروسية وفقا لصحيفة واشنطن بوست. وقد استفادت الجهات الفاعلة المؤثرة المدعومة من الحكومة الروسية من شبكة من المواقع الإلكترونية والمدونات التي تستهدف أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتضخيم المعلومات المضللة بما في ذلك الجهود المبذولة لنشر هذه السردية.

عزز خطاب بوتين المتلفز في 21 شباط/فبراير 2022 هذه السردية التي لا أساس لها من الصحة كمبرر للحرب. وبزعم الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين الخاضعتين للسيطرة الروسية كدولتين مستقلتين، أمرت روسيا قوات “حفظ السلام” بالانتشار في دونباس. وبهدف تشويه وشيطنة أوكرانيا في نظر الجمهور الروسي، اتهم بوتين أوكرانيا زورًا بارتكاب “إبادة جماعية” والتمييز ضد السكان الناطقين بالروسية في دونباس منذ عام 2014. ومن ثم خلق ذريعة زائفة للضرورة المزعومة “لحماية بلدنا”، مخفيًا عدوانه بشكل رقيق في صورة عملية ترمي لوقف “إبادة جماعية” غير موجودة.

لقد دحضت وسائل الإعلام المستقلة وخبراء مكافحة التضليل الإعلامي ومنظمات حقوق الإنسان الدولية المتعددة الأطراف هذه السردية بشكل رسمي. وأشار فريق تقصّي الحقائق في بي بي سي إلى أنه “لا يوجد دليل على إبادة جماعية”. ونفى موقع (Polygraph.info) مصداقية هذا الادعاء من خلال الإشارة إلى كيف أن بوتين وغيره من مسؤولي الاتحاد الروسي “استخدموا مصطلح الإبادة الجماعية بشكل فضفاض” ضد جورجيا أثناء الغزو الروسي للبلاد عام 2008. وأبرز موقع (Polygraph.info) أيضًا أنه “ربما كان أقرب حادث [للإبادة الجماعية] كان في عام 2014 من قِبل القوات الروسية في سلوفيانسك، حيث عثرت القوات الأوكرانية التي استعادت المدينة على مقبرة جماعية تحتوي على 20 جثة”. وقد وجد مجلس أوروبا، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وبعثة الخبراء التي تأسست بموجب آلية موسكو التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، كل بشكل مستقل، أنه لا يوجد دليل على أن الروس أو الناطقين بالروسية يواجهون الاضطهاد على أيدي السلطات الأوكرانية.

تعود هذه السردية إلى الظهور كلما واجهت الحرب العدوانية التي يشنها الكرملين نكسات استراتيجية. ويُظهر التحليل السردي لبيانات وسائل التواصل الاجتماعي على موقع تليغرام، والذي أجراه ’مركز المشاركة العالمية‘ [GEC]، ارتفاعًا حادًا في المحادثات باللغة الروسية المتعلقة بـ “الإبادة الجماعية في دونباس” حول مثل هذه النكسات. على سبيل المثال، نفّض الكرملين الغبار عن سردية التضليل الإعلامي هذه في حزيران/يونيو 2022، وهو شهر تميز بالعديد من الإخفاقات الاستراتيجية لموسكو. ومع وصول أول أنظمة صاروخية عالية الحركة (HIMARS) إلى أوكرانيا، ومنح الاتحاد الأوروبي أوكرانيا وضع المرشح، أعلنت وزارة العدل الأميركية عن جهود المساءلة “للمساعدة في تحديد الأشخاص الضالعين في ارتكاب جرائم الحرب والفظائع في أوكرانيا والقبض عليهم ومحاكمتهم”. وردت السفارة الروسية في واشنطن مكررة مزاعم الكرملين الكاذبة عن الأوكرانيين المزعوم ارتكابهم إبادة جماعية ضد السكان الناطقين بالروسية.

 يصور هذا الرسم البياني الحجم والمشاركة فيما يتعلق بتداول سردية "الإبادة الجماعية في دونباس" على تيليغرام، بحسب قياسها بعدد الرسائل الواردة يوميا. إنه يلتقط المعالم الرئيسية، بما في ذلك شن الغزو الشامل في 24 شباط/فبراير، ونكسة القوات الروسية في ساحة المعركة، والهجوم المضاد الذي شنته القوات الأوكرانية.

أدى بدء الهجوم الأوكراني المضاد في خيرسون في أيلول/سبتمبر، والتحرير السريع لمنطقة خاركيف، وإعلانات التعبئة اللاحقة لروسيا، إلى تقديم سبب إضافي للكرملين لاستئناف هذه السردية. بدأ الرئيس بوتين شهر أيلول/سبتمبر بتصريحات مليئة بالمعلومات المضللة التي تؤكد أن روسيا كانت تحاول فقط إيقاف “الإبادة الجماعية” التي يُزعم أن كييف ترتكبها منذ عام 2014. وفي خطابه في 30 أيلول/سبتمبر، الذي أعلن فيه عن ضم دونيتسك، ولوهانسك، وخيرسون، وزابوريجيا، بعد استفتاءات صورية سابقة، ادعى بوتين مرة أخرى كذبًا أن “الناس في دونباس، ولمدة ثماني سنوات طويلة، تعرّضوا للإبادة الجماعية والقصف والحصار، وتعرضوا لسياسة إجرامية لغرس كراهية روسيا وكل شيء روسي”، واتهم أوكرانيا بأنها “تعتزم أن يكون مصير الناطقين بالروسية داخل حدودها هو المصير نفسه الذي يريد الغرب ’الاستعماري‘ فرضه على العالم بأسره”.

يزعم الكرملين الدفاع عن الناطقين بالروسية في أوكرانيا ضد “الإبادة الجماعية” غير الموجودة. ومع ذلك، تسببت قوات روسيا الغازية في أوكرانيا لمدة ثماني سنوات في الموت والدمار في أجزاء من أوكرانيا ناطقة في الغالب باللغة الروسية. لقد هرب الملايين من احتلال روسيا لمناطق في شرق وجنوب أوكرانيا. إن الدمار في ماريوبول الناطقة بالروسية كارثي. وبحلول آذار/مارس 2022، وصلت الحكومة الأميركية إلى تقييم يفيد أن أفراد القوات الروسية ارتكبوا جرائم حرب من خلال تنفيذ عمليات الفرز البشري وترحيل الآلاف من المدنيين في أوكرانيا بشكل غير قانوني. وبحلول شباط/فبراير 2023، واستنادًا إلى الأدلة المتزايدة من المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا التي تم تحريرها من الاحتلال الروسي، قررت الحكومة الأميركية أن أفراد القوات الروسية والمسؤولين الروس ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا، بما في ذلك تعذيب المدنيين أثناء الاحتجاز بالضرب والصعق بالكهرباء والإعدام الوهمي؛ والاغتصاب؛ وعمليات قتل على غرار الإعدام لرجال ونساء وأطفال أوكرانيين.

تسعى روسيا إلى إنكار سيادة أوكرانيا واستقلالها وقمع تاريخها وثقافتها. وبينما احتلت روسيا خيرسون، قامت السلطات العميلة في المدينة بإفراغ مكتبات الأدب الأوكراني ونهب المتاحف من القطع الأثرية الثقافية. وقامت الحكومة الروسية بشكل منهجي وغير قانوني بترحيل ما لا يقل عن 6 آلاف طفل من أوكرانيا إلى شبكة من المرافق في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا وعبر روسيا، حيث تجري “إعادة تعليمهم” أو عرضهم للتبني في جميع أنحاء روسيا. وقد لا يعرف هؤلاء الأطفال أبدًا أنهم من أوكرانيا. يبدو أن الكرملين مصمم على إنكار وجود أوكرانيا كدولة، من خلال محاولة محو ماضيها – ومستقبلها.

السردية الكاذبة رقم 3: “التطهير من النازية ومحو الطابع العسكري”

استحضر الرئيس بوتين سردية التضليل الإعلامي الأكثر ثباتا للكرملين في خطابه قبل الفجر في 24 شباط/فبراير الذي أطلق الغزو الشامل. وقال “إن الغرض من هذه العملية هو حماية الأشخاص الذين يواجهون الآن على مدار ثماني سنوات الإذلال والإبادة الجماعية التي يرتكبها نظام كييف. وتحقيقا لهذه الغاية، سنسعى إلى محو الطابع العسكري عن أوكرانيا والتطهير من النازية منها”. وقام بتوجيه اتهامات غير منطقية ضد حكومة أوكرانيا المنتخبة ديمقراطيًا، ووصفهم بأنهم “عصابة من مدمني المخدرات والنازيين الجدد الذين استقروا في كييف وأخذوا الشعب الأوكراني بأكمله كرهائن”.

إن اتهام رئيس أوكرانيا اليهودي زيلنسكي بتهمة النازية الجديدة أمر سخيف. لكن ادعاءات روسيا محسوبة كما هي ملتوية. فعلى مدى سنوات، قام الكرملين بشكل منهجي بمساواة ما يسمى “رهاب روسيا” والنازية الجديدة. وقد لجأت الحكومة الروسية مرارًا وتكرارًا إلى معاداة السامية لنشر معلومات مضللة حول حرب موسكو في أوكرانيا. ولطالما قام الكرملين بتحويل تاريخ الحرب العالمية الثانية إلى وسيلة تهدف لتنظيم المشاعر القومية داخل البلاد مع تعزيز طموحاتها الجيوسياسية. وفي كانون الثاني/يناير 2023، قام وزير الخارجية لافروف بتوسيع نطاق معادلة “دعم أوكرانيا = رهاب روسيا = النازيين الجدد” من خلال المساواة زورا بين مساعدة الغرب لأوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد روسيا وغزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفيتي. واستحضر لافروف الإبادة الجماعية لليهود على يد هتلر لحل ما يسمى المسألة اليهودية، متهمًا الغرب بالتآمر “لحل المسألة الروسية أخيرًا“.

ظهرت هذه السردية بشكل بارز عندما تكبدت روسيا خسائر فادحة في ساحة المعركة في وقت مبكر من الحرب. لقد ضخّم خطاب بوتين في 9 أيار/مايو بمناسبة انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، هذه السردية، في تشويه للتاريخ لتبرير حربه الوحشية ضد أوكرانيا. لقد ادعى بوتين زورًا أن حربه التي اختارها هي عمل “مقدس” و”وطني” أقرب إلى المعركة السوفيتية ضد ألمانيا النازية – وهي الحرب التي تُعتبر في روسيا الحرب الوطنية العظيمة – أو إلى أي حرب كانت فيها روسيا “تدافع عن نفسها”. ومن خلال تكرار نقاط حديثه الدعائية القياسية، اتهم بوتين الغرب بـ “محو” القيم التقليدية، وتزوير التاريخ، وتعزيز رهاب روسيا. يقوم الكرملين مرارًا بتحريف وتشويه التاريخ لاستغلال شعور الشعب الروسي بالفخر بتضحياتهم في النصر على النازية. كما ينظر الكرملين باستمرار إلى ثورة الكرامة في أوكرانيا 2013-2014 باعتبارها “انقلابا فاشيًا“. وهذه التشويهات للتاريخ إنما تخدم غرضًا استراتيجيًا، وهو إثارة النعرة الوطنية وحشد الدعم داخل روسيا لحرب بوتين ضد أوكرانيا.

وعلى الرغم من أن سردية “التطهير من النازية” كانت المبرر المختار لخطاب بوتين في 24 شباط/فبراير 2022، إلا أنه لم يجد تجاوبًا من الجماهير في روسيا لفترة طويلة. ويُظهر تحليل مركز المشاركة العالمية للمحادثة عبر الإنترنت باللغة الروسية زيادة في حجم الحديث عبر الإنترنت الذي ينطوي على هذه السردية في أواخر شباط/فبراير مباشرة بعد الخطاب. وبحلول آذار/مارس 2022، قام المسؤولون الروس بالتقليل تدريجيًا من استخدام هذه النسخة من السردية. وطوال شهر آذار/مارس، شاركت وفود روسيا وأوكرانيا في عدة جولات من المفاوضات لإنشاء ممرات لتسهيل العمل الإنساني للمساعدة في إجلاء المدنيين والوصول إلى وقف إطلاق النار. وربما يدل الانخفاض في وتيرة استدعاء سردية “التطهير من النازية” على أن التفاوض مع المسؤولين الأوكرانيين أثناء محاولة “تطهيرهم من النازية” كان يحمل الكثير من التنافر المعرفي حتى ليصعب تسويق هذه السردية من قِبل الكرملين.

 يصور هذا الرسم البياني الحجم والمشاركة فيما يتعلق بتداول سردية "التطهير من النازية" على تيليغرام، بحسب قياسها بعدد الرسائل الواردة يوميا. إنه يلتقط المعالم الرئيسية، بما في ذلك شن الغزو الشامل في 24 شباط/فبراير، ونكسة القوات الروسية في ساحة المعركة، والهجوم المضاد الذي شنته القوات الأوكرانية.

ومع ذلك، فإن إرجاء سردية “التطهير من النازية” لم يدم طويلا. إذ ارتفعت السردية إلى أعلى نقطة لها بين المنشورات باللغة الروسية على تليغرام في أواخر آذار/مارس وأوائل نيسان/أبريل. ومع بدء ظهور أدلة على جرائم الحرب والمقابر الجماعية في بوتشا بعد انسحاب القوات الروسية، استجابت منظومة التضليل الإعلامي والدعاية التابعة للكرملين للاحتجاج العالمي على الكشف المروّع من خلال أولًا إنكار ضلوع قواته، ثم تحدي صحة التقارير وتجديد سردية “التطهير من النازية”. اتهمت وزارة الدفاع الروسية زورا أوكرانيا باستخدام الأساليب التي تستخدمها روسيا نفسها، إذ ادّعت زورا أن “الصور ولقطات الفيديو من بوتشا هي خدعة أخرى، وإنتاج مسرحي، واستفزاز من قبل نظام كييف لوسائل الإعلام الغربية”. وزعمت وزارة الخارجية الروسية زورا أن هناك “علامات على مقاطع فيديو مزيفة وتزويرات أخرى”. وقامت السفارات الروسية ووسائل الإعلام الروسية في جميع أنحاء العالم بتضخيم المؤامرات التي تم فضحها بسهولة، بما في ذلك الادعاءات الكاذبة بأن أوكرانيا استخدمت جثثا مزيفة “عادت إليها الحياة” بعد توقف آلات التصوير. وعلى الرغم من الأدلة الوافرة من نيويورك تايمز، وبيلينغكات، وبي بي سي، والتي دحضت مزاعم روسيا وأثبتت ضلوعها، استمرت آلة التضليل الإعلامي التابعة للكرملين في محاولة إخفاء الحقيقة. وحاولت وسيلة الإعلام الحكومية الروسية ريا نوفوستي صرف الانتباه عن طريق نشر مقال يدعو إلى “التطهير من النازية بين غالبية سكان أوكرانيا“، من خلال “إعادة التثقيف والقمع الأيديولوجي … والرقابة الصارمة: ليس فقط في المجال السياسي، ولكن بالضرورة أيضًا في مجال الثقافة والتعليم”. ودعا المقال كذلك إلى محو أوكرانيا كدولة، بما في ذلك من خلال “إزالة الطابع الأوكراني”، مدعيًا أن “الدولة التي يتم التطهير من النازية منها لا يمكن أن تكون ذات سيادة”.

إن الطبيعة السخيفة لهذه السردية لا تحدّ من فائدتها لمنظومة التضليل الإعلامي الروسية. وعند مقارنتها بأربعة سرديات خاطئة أخرى للكرملين تم تناولها في هذا التقرير، فإن سردية “التطهير من النازية” استُخدمت بشكل متكرر من خلال الحجم اليومي للمنشورات، ولا تزال تحافظ على أعلى مستوى من التفاعل كما تم قياسه من خلال ردود الفعل والمشاركات. إن منظومة التضليل الإعلامي والدعاية الروسية تعود إلى سردية “التطهير من النازية” لإبعاد المسؤولية عندما تعاني موسكو من نكسات استراتيجية.

 يصور هذا الرسم البياني الحجم والمشاركة فيما يتعلق بجميع السرديات الخمس على تيليغرام، بحسب قياسها بعدد الرسائل الواردة يوميا. إنه يلتقط المعالم الرئيسية، بما في ذلك شن الغزو الشامل في 24 شباط/فبراير، ونكسة القوات الروسية في ساحة المعركة، والهجوم المضاد الذي شنته القوات الأوكرانية.

لقد استخدم الرئيس بوتين هذه السردية بلا خجل مرة أخرى في كلمته في 27 كانون الثاني/يناير 2023 في اليوم الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست. فقد قال: “إن نسيان دروس التاريخ يؤدي إلى تكرار المآسي الرهيبة. والدليل على ذلك هو الجرائم ضد المدنيين، والتطهير العرقي، والإجراءات العقابية التي نظمها النازيون الجدد في أوكرانيا “.وواصل رواية القصة نفسها في خطابه في الأول من شباط/فبراير بمناسبة الذكرى الثمانين لمعركة ستالينغراد في الحرب العالمية الثانية، عندما اتهم الغرب بالنازية، قائلا “الآن نحن نرى للأسف أن إيديولوجية النازية – هذه المرة في مظهرها الحديث – تخلق مرة أخرى تهديدات مباشرة لأمننا القومي، ونحن، مرارًا وتكرارًا، مجبرون على مقاومة عدوان الغرب الجماعي.” لقد جاء تصعيده الخطابي بعد إعلان صدر قبل أيام قليلة سابقة عن قيام ألمانيا والولايات المتحدة بتسليم دبابات ليوبارد وإم 1 أبرامز إلى أوكرانيا للمساعدة في الدفاع عن النفس ضد هجوم روسيا الوحشي.

إن الأدلة على جرائم الكرملين ضد المدنيين الأوكرانيين في المناطق التي تحتلها روسيا تتزايد بقدر سرعة أكاذيب الكرملين الفظيعة. وحتى أواخر كانون الثاني/يناير 2023، تحقق أوكرانيا في ما يقرب من 67 ألف جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية – مثل الإعدام بإجراءات موجزة، والاغتصاب، والتعذيب، والاختطاف، والترحيل القسري، والتفجيرات العشوائية، فضلا عن الهجمات التي تستهدف المدنيين والكيانات المدنية. لقد وثقت التحقيقات المستقلة، والمنظمات الإعلامية، ولجنة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن أوكرانيا، وبعثات الخبراء التابعة لآلية موسكو التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، نمطًا يتمثل في ارتكاب أفراد القوات الروسية جرائم حرب وغيرها من الفظائع في أوكرانيا. إن هذه الجرائم ضد الإنسانية لم تحدث في فراغ. إنها جزء من الهجوم الواسع النطاق والمنهجي الذي يشنه الكرملين ضد السكان المدنيين في أوكرانيا. لقد لعبت سردية التضليل الإعلامي التي أطلقها الكرملين حول “التطهير من النازية” والخطاب المنهجي لنزع الصفة الإنسانية عن شعب أوكرانيا دورًا في هذه الانتهاكات غير المعقولة. وقد وصف الناجون من الاحتلال الروسي لبوتشا القوات الروسية بأنها كانت تقوم بالبحث والتفتيش من باب إلى باب في المباني السكنية إذ “كانت تبحث عن النازيين“. وعندما تمكنت أوكرانيا من تحرير مدينة خيرسون، ذكر الشهود ملامح الحياة تحت الاحتلال الروسي، “إذا سمع الروس أنك تتحدث الأوكرانية، فإنهم يعتقدون أنك نازي. إنهم يفحصون الشبكات الاجتماعية والوشوم، وإذا كانت لديك رموز أوكرانية على جسدك، فأنت في ورطة.”

السردية الكاذبة رقم 4: إعادة تأطير الحرب من “التطهير من النازية” إلى “نزع الشيطنة”

مع وصول مدة الحرب إلى عام واحد، امتدت محاولات الكرملين لتبرير أفعاله غير المبررة إلى الادعاءات بأنه يحارب “الشيطانية الغربية”. وعلى الرغم من أن مروجي دعاية الكرملين شوّهوا صورة الأوكرانيين بأنهم عبدة شيطان على الأقل منذ نيسان/أبريل 2022، إلا أن توصيف الرئيس بوتين لما يسمى بالقيم الغربية بأنها “شيطانية صريحة” في خطابه في 30 أيلول/سبتمبر 2022 دفع هذا الاتهام ليصير سردية رسمية.

لقد نصّب الكرملين في عهد بوتين نفسه وصيًا على “القيم التقليدية” ضد القيم الغريبة الفاسدة التي يدعي أن الغرب يعززها في أوكرانيا ويحاول فرضها على روسيا على ما يبدو. ظهرت هذه السردية لأول مرة في نيسان/أبريل 2022، بعد اكتشاف الفظائع الروسية في بوتشا. وباعتباره أحد أكثر المؤيدين جهرًا لمفهوم “روسكي مير” (العالم الروسي)، خطب رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية البطريرك كيريل قائلا إن روسيا تقاتل في أوكرانيا من أجل “الاستقلال الحقيقي” لـ “العالم الروسي” الذي يراه على أنه آخر معقل ضد الغرب الفاسد اللاأخلاقي. ويضيف أن هذا الجهد تقف إلى جانبه “الحقيقة الإلهية“، ويؤدي إلى إعاقة “المسيح الدجال” ضد القوة العالمية “البعبع” التي تعارض روسيا. يعتقد كيريل أن أوكرانيا تنتمي إلى “المنطقة الكنسية” التابعة للكنيسة الروسية الأرثوذكسية على الرغم من أن غالبية المؤمنين الأرثوذكس في أوكرانيا أفادوا بأنهم ينتمون إلى الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية الخاصة والمستقلة أو أنهم “أرثوذكسيون ببساطة”. يصور كيريل تصرفات الكرملين على أنها حرب مقدسة “بين الأشقاء” يجب على روسيا خوضها ضد أولئك الذين يريدون تحويل الأوكرانيين من كونهم “جزءًا من روسيا الموحدة المقدسة” إلى دولة “معادية لروسيا”. لقد أدت منظومة التضليل الإعلامي والدعاية التابعة للكرملين إلى تضخيم رسالة البطريرك كيريل من خلال أركانها العديدة. بدأت الشخصيات العامة على منافذ الدعاية الحكومية تصور روسيا على أنها “تجسيد لقوى الخير”، متحدثة عن “صدام ميتافيزيقي بين قوى الخير والشر” وعن “حرب مقدسة” يجب أن تنتصر فيها روسيا. وذهبت مواقع التضليل الإعلامي بالوكالة عن الكرملين، مثل موقع [News Front] المكلف من جهاز الأمن الاتحادي الروسي وموقع [Tsargrad] المُصنّف من قبل الولايات المتحدة، وهو أحد الأصول في شبكة التأثير الخبيث للأوليغارشي الروسي الذي وجهت إليه الولايات المتحدة اتهامات، كونستانتين مالوفييف، إلى أبعد من ذلك من خلال وصف الأوكرانيين بأنهم “عبدة شيطان”. وهكذا أضاف الكرملين “حملة صليبية مقدسة” إلى قائمة المبررات الكاذبة لشن حرب وحشية وارتكاب فظائع ضد شعب أوكرانيا.

عاودت السردية الظهور حين واجهت روسيا انتكاسات طاحنة في ساحة المعركة خلال فصلي الصيف والخريف. وفي تموز/يوليو 2022، عندما اقترحت الحكومة الروسية توسيع بنود الحظر على “الدعاية” حول “العلاقات الجنسية غير التقليدية” – وهو اقتراح وقع عليه بوتين ليصبح قانونًا في كانون الأول/ديسمبر 2022 – صورت شخصيات بارزة في الكرملين استبعاد روسيا في آذار/مارس 2022 من مجلس أوروبا على أنه فشل “جهود فرض القيم الأجنبية والزواج من نفس نوع الجنس أو من نفس النوع الاجتماعي” على روسيا، على الرغم من أن قرار مجلس أوروبا كان مبنيًا على عدوان روسيا على أوكرانيا. لقد أعلن القادة العسكريون من جمهورية الشيشان الروسية، التي يديرها رمضان قديروف، الرجل القوي الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات، مرارًا وتكرارًا أن روسيا تخوض حربًا مقدسة في أوكرانيا ضد “جيش المسيح الدجال” وضد “قيم المثليين الشيطانية”. وفي خطاب ألقاه في أيلول/سبتمبر، هاجم الرئيس بوتين الغرب و”دكتاتورية النخب الغربية” بسبب “الإنكار الراديكالي للمعايير الأخلاقية والدين والأسرة”، واصفا إياه بأنه “عبادة شيطان صريحة”. وأشار بوتين إلى أن الدول الغربية تُجري “تجارب وحشية” على الأطفال. تربط قوانين روسيا وخطاب الكرملين بشكل خاطئ بين المثليين ومغايري الهوية الجنسانية ومختلفي الميول الجنسية من جهة وبين الاعتداء الجنسي على الأطفال من جهة أخرى.

بوتين ليس وحده في تصريحاته المتطرفة. فالممثل الغريب الأطوار، والكاهن السابق، وداعم بوتين المتحمس الذي يأخذ إشارات من الكرملين، إيفان أوخلوبيستين، صرخ داعيا إلى “الحرب المقدسة” خلال تجمع حاشد في 1 تشرين الأول/أكتوبر في الميدان الأحمر لدعم محاولة روسيا ضم أربع مناطق من أوكرانيا. وعلى ما يبدو أنه كان مُدهشا لبعض الجمهور، فقد هتف أوخلوبيستين، قائلا بالروسية (Гойда) ’غويدا‘، وهي صيحة حرب روسية قديمة يُزعم أن إيفان الرهيب استخدمها للاتصال بشرطته السرية. واصل أوخلوبيستين تحذيره الدراماتيكي قائلا “خَف أيها العالم القديم! أيها المحروم من الجمال الحقيقي! والإيمان الحقيقي! والحكمة الحقيقية! والذي يُديره المجانين والمنحرفون وعبدة الشيطان! خَف، فنحن قادمون!” وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، قام المزيد من مسؤولي الكرملين بتضخيم التصريحات التي دعت إلى “نزع الشيطنة” عن أوكرانيا، بحجة أن الغرب كان يعمل من خلال الترويج للطوائف الشيطانية من أجل “إعادة تشكيل” عقول الأوكرانيين ضد القيم التقليدية التي تجسدها روسيا. وحثّ رجل الشيشان القوي قديروف الرجال الروس على حمل السلاح وشن “الجهاد” ضد عبدة الشيطان الأوكرانيين، داعيًا إلى “محو المدن من على وجه الأرض” في أوكرانيا. وتشير تقارير موثوقة إلى أن مقاتلي قديروف الشيشان في أوكرانيا ارتكبوا فظائع.

يصور هذا الرسم البياني الحجم والمشاركة فيما يتعلق بتداول سردية "نزع الشيطنة" على تيليغرام، بحسب قياسها بعدد الرسائل الواردة يوميا. إنه يلتقط المعالم الرئيسية، بما في ذلك شن الغزو الشامل في 24 شباط/فبراير، ونكسة القوات الروسية في ساحة المعركة، والهجوم المضاد الذي شنتهالقوات الأوكرانية.

مع ازدياد زخم القوات الأوكرانية من خلال هجمات خاركيف وخيرسون، عادت سردية “نزع الشيطنة” إلى الظهور واشتدت. وبينما تستمر روسيا في تكبد خسائر في ساحة المعركة وفي الرأي العام العالمي، يبحث الكرملين عن سردية رابحة، فيحاول طرح سرديات جديدة، كل واحدة أكثر عبثية وسخافة من سابقتها. إن جهود الكرملين لتشويه صورة الأوكرانيين بأنهم “عبدة الشيطان” هي ببساطة محاولة مستترة لشرح خسائره لشعب روسيا وتبرير المزيد مقدمًا. ويبدو أن سردية “نزع الشيطنة” غير ذات صلة على ما يبدو، فهي تجرد شعب أوكرانيا من إنسانيته وتحاول تبرير الخسة والفظائع الوحشية ضدهم.

السردية الكاذبة رقم 5: “الدفاع عن سيادة روسيا” ضد الغرب

في الوقت الذي اصطدمت فيه خطط بوتين للاستفتاءات الصورية والتعبئة العسكرية مع هجوم أوكرانيا المضاد في أيلول/سبتمبر 2022، حوّل الكرملين من خلال الخطاب حربه التي اختارها إلى حرب ضرورة “للدفاع عن سيادة روسيا“. عام واحد فقط منذ أن قدم الكرملين “مطالبه الأمنية” لتجنب الصراع كما زعم، فقد دار دورة كاملة، وعاد إلى سردية التضليل الإعلامي الأصلية بأن الغرب هو المعتدي الحقيقي ويريد تدمير روسيا من خلال حرب بالوكالة في أوكرانيا. إن خسارة الأرض لصالح أوكرانيا نفسها – وهي دولة عضو في الأمم المتحدة تم رفضها من قِبل بوتين ووصفها بأنها “ليست دولة حقيقية” – أمر لا يمكن تصوره.

عندما قامت القوات الأوكرانية بتحرير منطقة خاركيف، أصبحت السردية المركزية للكرملين هي أن روسيا تقاتل دفاعا عن سيادتها ضد الغرب. وفي 21 أيلول/سبتمبر 2022 ادعى بوتين زورا أن التعبئة الجزئية والاستفتاءات الصورية كانت ضرورية “لحماية سيادة روسيا وأمنها وسلامتها الإقليمية”. وردّد وزير الدفاع شويغو ورئيس مجلس دوما الدولة الروسي فولودين السردية القائلة بأن التعبئة كانت ضرورية لأن روسيا تحارب أوكرانيا وكذلك حلف شمال الأطلسي (الناتو) و”الغرب الجماعي”. وعندما حررت أوكرانيا مدينة خيرسون من الاحتلال الروسي الوحشي، ومع فرار آلاف الرجال من روسيا لتجنب التعبئة، ألقى بوتين مرة أخرى باللوم على أوكرانيا والغرب في الحرب. وفي خطابه في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، أصر بوتين زورا على أن الحرب نتجت عن جهود غربية لزعزعة استقرار أوكرانيا، متهمًا الغرب بالسعي لإضعاف روسيا وتصوير الحرب كإجراء دفاعي ضد التخريب.

في خطابه عشية رأس السنة الجديدة 2022 إلى الأمة، وصف الرئيس بوتين “العملية العسكرية الخاصة” لروسيا بأنها نضال وجودي لتأمين “سيادة” روسيا و”استقلالها الحقيقي”. وفي ظهوره محاطًا بأفراد من القوات المسلحة الروسية كما زُعم، إذ ربما كان بعضهم عبارة عن ممثلين، في خروج عن خلفيته التقليدية في الكرملين، أعاد تدوير سرديات التضليل الإعلامي حول نفاق الغرب. فقد زعم بوتين أن “النخب الغربية” تظاهروا بالمساعدة في حل “الصراع في دونباس” و”شجعوا النازيين الجدد” على مواصلة “الأعمال الإرهابية ضد المدنيين المسالمين”. ثم اتهم الغرب بـ “الكذب بشأن السلام بينما يستعد للعدوان” و”استخدام أوكرانيا باستخفاف كوسيلة لإضعاف روسيا وتقسيمها”. وزعم كذلك أن الغرب أطلق “حرب عقوبات شاملة”، لكن روسيا انتصرت. وأخيرًا، ادعى أن هذا “النضال” يخدم كمثال للدول الأخرى في “سعيها من أجل نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب.” وبخلاف الأفكار المألوفة، فقد ناشد بوتين الحس الوطني، مشيرًا إلى أن الدفاع عن الوطن هو “واجب مقدس” وأن “الحقيقة الأخلاقية والتاريخية” في جانب روسيا.

وقد عزّز وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف هذه السردية في 18 كانون الثاني/يناير 2023 عندما قام بتقييم نتائج الدبلوماسية الروسية في عام 2022. وقال، “وكما فعل نابليون، الذي حشد كل أوروبا تقريبًا ضد الإمبراطورية الروسية، وهتلر، الذي احتل غالبية الدول الأوروبية وألقى بها في وجه الاتحاد السوفيتي، أسست الولايات المتحدة تحالفا من جميع الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي تقريبًا وتستخدم أوكرانيا لشن حرب بالوكالة ضد روسيا بهدف قديم يتمثل في حل ’المسألة الروسية‘ أخيرًا، مثل هتلر، الذي سعى إلى حل نهائي لـ ’المسألة اليهودية‘.” وفي أواخر كانون الثاني/يناير 2023، وفي متابعة لاستفسارات وسائل الإعلام بعد المؤتمر الصحفي المذكور أعلاه، كرر لافروف هذه السردية قائلا: “لقد كان من الواضح لنا منذ فترة طويلة أن وجود روسيا كأحد العناصر الأساسية والعمود الفقري في الفضاء الأوراسي الشاسع هو مشكلة لخصومنا.”

في نسخة مُبالغ فيها بشكل خاص من هذه السردية، اعتبر الكرملين الشراكة والتعاون الدوليين بشأن الحد من التهديد البيولوجي في أوكرانيا تهديدًا لسيادة روسيا والروس كعرقية. وشنت آلة التضليل الإعلامي التابعة للكرملين هجومًا واسع النطاق على الحقيقة في المنظمات المتعددة الأطراف التي تحاول تصوير الأبحاث السلمية في أوكرانيا على أنها تجارب أسلحة بيولوجية تدرّب الطيور المهاجرة والخفافيش المريضة لتهديد روسيا. وفي تموز/يوليو 2022، نقلت وسائل الإعلام الروسية الحكومية والمنافذ الإعلامية للوكلاء المعلومات المضللة عن “المختبرات الحيوية التي تديرها الولايات المتحدة” إلى عالم الخيال العلمي عندما أظهرت مسؤولين روس يزعمون أن جنود أوكرانيا تعرضوا لتجارب “أبطلت آخر آثار للوعي البشري وحولتهم إلى أقسى وأفتك الوحوش”وإلى “آلات قاسية تسيطر عليها الولايات المتحدة.” جاءت هذه التصريحات في أعقاب اتهامات في آذار/مارس 2022 من قبل وزارة الدفاع الروسية بأن الولايات المتحدة تطور “أسلحة بيولوجية عرقية” في أوكرانيا لاستهداف عرقية السلافيين، مثل الروس. وتسعى هذه المزاعم المستمرة الغريبة إلى تأجيج نظريات المؤامرة وتصوير حرب روسيا ضد أوكرانيا على أنها “معركة وجودية من أجل السيادة” ضد الغرب، بينما تشتت الانتباه عن الأداء الضعيف للقوات الروسية.

هناك جانب آخر غير معقول من سردية التضليل الإعلامي هذه يدّعي أن الغرب يغسل أدمغة الأوكرانيين. ففي مقابلة أجريت في 30 كانون الثاني/يناير 2023، اتهم نائب وزير الخارجية الروسي ريابكوف حلف الناتو بتعمد “تحويل” الدول المجاورة لروسيا “إلى أشباه أموات فاقدي القدرة على الكلام وحرية الإرادة” وإجراءات متصاعدة “بهدف تدمير قانوننا التاريخي والثقافي”. وقامت مُروّجة دعاية الكرملين، مارغاريتا سيمونيان، بتضخيم هذه السردية قائلة إنه في حين أنه من الصعب على الروس استساغة قتال “أشقائنا” الأوكرانيين، فإنهم [الغرب] نزعوا مرارة القتال مع الأوكرانيين أو حتى للأوكرانيين. من الواضح الآن أنه ربما كان لا مفر من أن نقاتل الغرب.”

في محاولة لتبرير غزو روسيا عام 2022، ادعى الكرملين زورا أن الغرب رفض التفاوض حتى مع انسحاب موسكو من المفاوضات. وفي محاولة لتبرير استمرار الحرب، يزعم الكرملين زورا أن الغرب يسعى إلى تمزيق روسيا وتدمير الثقافة الروسية. ولمساعدة شعب روسيا على قبول الكذبة القائلة بأن موسكو هاجمت جيرانها عن حق، والذين يعتبرهم العديد من الروس شعبًا “شقيقا”، يقول الكرملين إن الغرب قد تسبب في تحويل الأوكرانيين إلى أشباه أموات فاقدي القدرة على الكلام وحرية الإرادة. في هذه النسخة المشوهة من الواقع، يمكن لروسيا أن تجادل بأنها لا تقاتل الأوكرانيين “الأشقاء”، وإنما تقاتل الأوكرانيين “الذين جرى تحويلهم إلى أشباه أموات فاقدي القدرة على الكلام وحرية الإرادة ” و”النازيين الجدد” و”أتباع الشيطان”. ولجعل خسائر روسيا مستساغة، يتظاهر الكرملين بأنه ليس في حالة حرب مع أوكرانيا ولكنه يحارب في أوكرانيا بشكل نبيل من أجل “الدفاع عن سيادتها” ضد توغل الغرب.

الخلاصة: “أراضينا التاريخية”

إن شجاعة وصمود شعب أوكرانيا، والتزامهم المطلق بالدفاع عن استقلال بلادهم وديمقراطيتها، ووحدة الجهود بين الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا في دعم أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، والإدانة العالمية للعدوان الروسي، كلها دفعت الكرملين للرقص باستمرار من سردية معلومات مضللة إلى أخرى في محاولة لتبرير حربه لشعب روسيا والمجتمع الدولي.

أكاذيب روسيا لا تغير الحقيقة. لقد اختار الكرملين أن يبدأ هذه الحرب، ويمكن للكرملين أن يختار إنهاءها.

إن أوكرانيا دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة. لها الحق السيادي في الدفاع عن أراضيها واختيار سياستها الخارجية. لقد بدأت حرب روسيا ضد أوكرانيا في عام 2014 عندما استولت القوات الروسية على شبه جزيرة القرم الأوكرانية وقادت ومولت ودربت الوكلاء للتحريض على الصراع وإدامته في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا. لم يسيطر النازيون أو عبدة الشيطان على أوكرانيا الديمقراطية – لقد ابتكر الكرملين هذه الأساطير لإذكاء الحماسة بين أفراد شعبه. لقد انتخب المواطنون الأوكرانيون من جميع الأعراق بشكل ديمقراطي رئيسًا يهوديًا، فولوديمير زيلينسكي، واعترف المجتمع الدولي بشرعية حكومته. في الأشهر التي سبقت شن روسيا غزوها الشامل، انضمت الولايات المتحدة وغيرها إلى أوكرانيا بدبلوماسية النوايا الحسنة لاستكشاف طرق لمعالجة المخاوف الأمنية المزعومة لروسيا دون المساس بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها. إلا أن روسيا اختارت الحرب. لقد شنت روسيا غزوها الشامل في شباط/فبراير 2022، في انتهاك صارخ لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي تحترم سيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها والامتناع عن استخدام القوة. لقد استولت روسيا بوحشية على أجزاء من مقاطعات لوهانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون واحتلتها، ثم أجرت استفتاءات صورية وزعمت ضمها تمامًا كما زعمت أنها ضمت شبه جزيرة القرم في محاولة لتحقيق طموحات الكرملين الإقليمية الضارية.

إن جميع التحريفات في الخطاب الروسي تخدم هدفا واحدًا – ألا وهو إخفاء جهود روسيا الظاهرة لمحو دولة أوكرانيا المستقلة ذات السيادة من الخريطة وإخضاع شعبها. وثمة إشارات فاضحة مدفونة في ركام الأكاذيب تشير إلى طموحات الكرملين الإمبريالية الجديدة الحقيقية. إن رسالة بوتين في تموز/يوليو 2021 التي أعلن فيها أن الروس والأوكرانيين “شعب واحد“، وخطبه الداعية للحرب في شباط/فبراير 2022، المليئة بالتحريفات التاريخية والمعلومات المضللة التي تنكر عن أوكرانيا صفة الدولة وقوة السيادة، أعطت العالم لمحة عن أهدافه. وتتكرر العبارات نفسها بشكل مستمر على ألسنة الوجوه المروّجة لدعاية الكرملين، مثل مارغاريتا سيمونيان، التي كررت مؤخرًا الادعاء الوهمي بأن أوكرانيا بنتها روسيا وتدين بقوتها لهدايا روسيا. إن رؤية بوتين لتحقيق الطموحات الإمبريالية التوسعية لبيتر الأول، و”إعادة الأراضي المفقودة“، وتعليقات مسؤولي الكرملين الصريحة غير المنمقة تكشف عن نواياهم الفعلية. وأشار مسؤولون في الكرملين إلى أن موسكو قد تنتقم أيضًا مما يسمى بـ “رهاب روسيا” و”الإبادة الجماعية ضد الروس” غير الموجودة في أماكن أخرى غير أوكرانيا التي تعتبرها أراضيها التاريخية. وقد تكهن الخبراء في شؤون الكرملين بالفعل بأن روسيا قد تحتاج إلى “التطهير من النازية” من كازاخستان ومولدوفا وأي دولة أخرى يُزعم أنها تأوي “رهاب روسيا”. وفي خطاب ألقاه في كانون الثاني/يناير 2023، قال بوتين، تاركًا القليل من الشك حول رؤيته للمستقبل: “إن الهدف، كما قلتُ مرات عديدة، هو في المقام الأول حماية الشعب وحماية روسيا نفسها من التهديدات التي يحاولون خلقها في أراضينا التاريخية المجاورة لنا. لا يمكن أن ندع هذا يحصل.”

بغض النظر عن نوعية السردية التي ينشرها الكرملين في أي وقت من الأوقات في لعبة التضليل الإعلامي الخاسرة، تظل أوكرانيا دولة مستقلة ذات سيادة معترف بها من قبل المجتمع الدولي. وسيظل شعبها الباسل صامدًا في الدفاع عن بلده وديمقراطيته، وستقف الولايات المتحدة إلى جانب أوكرانيا مهما طال الوقت الذي يستغرقه الأمر.

U.S. Department of State

The Lessons of 1989: Freedom and Our Future