خطاب
دار بلدية مدينة هلسنكي
هلسنكي، فنلندا
2 حزيران/يونيو 2023
الوزير بلينكن: شكرا لك. شكرا جزيلا. ونعم، أشعر اليوم بإحساس أكبر بالسعادة مما شعرتُ به منذ وقت طويل. (ضحك.)
حضرة العمدة فارتياينن، شكرا لكم على استضافتنا في هلسنكي – وفي دار بلدية هذه المدينة الرائعة.
وأنت يا ميكا، أشكرك وأشكر جميع أعضاء الفريق العامل معك – وأشكر أيضا جميع الباحثين في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية – على تعميق المعرفة حول الدبلوماسية وإثراء النقاش العام.
إنني ممتن أيضا لأن صديقي وشريكي، بيكا هافيستو، موجود هنا معنا اليوم. لقد عملنا معا بشكل وثيق خلال هذا العام التاريخي حقا، وأنا ممتن لحضورك.
أيها الضيوف الكرام جميعا، قبل شهرين، وقفتُ مع حلفائنا في بروكسل عندما رُفع علم فنلندا فوق مقر الناتو لأول مرة. وأعلن الرئيس نينيستو قائلا: “لقد انتهى عصر عدم الانحياز العسكري في فنلندا. وبدأت حقبة جديدة.”
لقد كان تغييرا جذريا لم يكن من الممكن تصوره قبل أكثر من عام بقليل. قبل الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، كان واحد من كل أربعة فنلنديين يدعمون انضمام البلاد إلى الناتو. وبعد ذلك، أصبح ثلاثة من كل أربعة فنلنديين يؤيدون الانضمام.
لم يكن من الصعب على الفنلنديين أن يتخيلوا أنفسهم في مكان الأوكرانيين. لقد خبروا ذلك، في تشرين الثاني/نوفمبر 1939، عندما غزا الاتحاد السوفيتي فنلندا.
وكما هو الحال بالنسبة لما يسمى بـ “العملية الخاصة” للرئيس بوتين ضد أوكرانيا، فقد وُجه الاتهام زورًا لفنلندا بإثارة الغزو فيما يسمى بـ “عملية التحرير” للاتحاد السوفيتي.
ومثلما فعل الروس مع كييف، كان السوفييت واثقين من أنهم سيهزمون هلسنكي في غضون أسابيع. واثقون جدا إلى حد أنهم جعلوا ديمتري شوستاكوفيتش يؤلف لهم مقطوعة موسيقية لموكب النصر حتى قبل بدء حرب الشتاء.
وكما يفعل بوتن في أوكرانيا، عندما فشل ستالين في قهر المقاومة الشرسة والحازمة من جانب الفنلنديين، تحول إلى استراتيجية الإرهاب: حرق قرى بأكملها وقصف العديد من المستشفيات من الجو إلى الحد الذي جعل الفنلنديين يبدأون في تغطية شارات الصليب الأحمر على أسطح منازلهم.
وعلى غرار الملايين من اللاجئين الأوكرانيين اليوم، تم طرد مئات الآلاف من الفنلنديين من منازلهم بسبب الغزو السوفيتي. وكان من بينهم طفلان، هما بيركو وهنري، اللذين أخلت عائلتاهما منزليهما في كاريليا – والدة ووالد مضيفنا، عمدة المدينة.
بالنسبة للعديد من الفنلنديين، كانت أوجه الشبة بين عامي 1939 و2022 مذهلة وملفتة للنظر وعميقة. ولم يكونوا مخطئين.
لقد أدرك الفنلنديون أنه إذا انتهكت روسيا المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة – السيادة وسلامة الأراضي والاستقلال- إذا فعلوا ذلك في أوكرانيا، فإن ذلك سيعرض سلامهم وأمنهم للخطر أيضا.
لقد فهمنا ذلك أيضا. ولهذا السبب، على مدار عام 2021، عندما صعّدت روسيا تهديداتها ضد كييف، وحشدت المزيد والمزيد من القوات والدبابات والطائرات على حدود أوكرانيا، بذلنا كل جهد ممكن لجعل موسكو تخفف من أزمتها المصطنعة، وتحل قضاياها من خلال الدبلوماسية.
وأخبر الرئيس بايدن الرئيس بوتين بأننا مستعدون لمناقشة مخاوفنا الأمنية المشتركة – وهي رسالة كررتُها مرارا، بما في ذلك شخصيا، مع وزير الخارجية لافروف. وقدمنا مقترحات مكتوبة للحد من التوترات. وجنبا إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا، استخدمنا كل منتدى لمحاولة منع الحرب – من مجلس الناتو وروسيا إلى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومن الأمم المتحدة إلى قنواتنا المباشرة.
وعبر هذه المشاركات، حددنا مسارين محتملين لموسكو: مسار دبلوماسي يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الأمن لأوكرانيا وروسيا وأوروبا بأكملها؛ أو مسار العدوان، والذي من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على الحكومة الروسية.
لقد أوضح الرئيس بايدن أنه بغض النظر عن المسار الذي يختاره الرئيس بوتين، فسنكون مستعدين (للتعاطي معه). وإذا اختارت روسيا الحرب، فسنفعل ثلاثة أشياء: دعم أوكرانيا، وفرض تكاليف باهظة على روسيا، وتعزيز حلف الناتو بينما نحشد الحلفاء والشركاء حول هذه الأهداف.
مع احتشاد سحب العاصفة، قمنا بزيادة المساعدات العسكرية والاقتصادية والإنسانية لأوكرانيا. أولا في آب/أغسطس 2021، ومرة أخرى في كانون الأول/ديسمبر، وأرسلنا معدات عسكرية لتعزيز دفاعات أوكرانيا، بما في ذلك صواريخ من طراز جافلين وستنغر. وقمنا بنشر فريق من القيادة الإلكترونية الأميركية لمساعدة أوكرانيا على تعزيز شبكة الكهرباء والبنية التحتية الحيوية الأخرى الخاصة بها ضد الهجمات الإلكترونية.
لقد أعددنا مجموعة غير مسبوقة من العقوبات وضوابط التصدير والتكاليف الاقتصادية الأخرى لفرض عواقب وخيمة وفورية على روسيا في حالة حدوث غزو واسع النطاق.
وقد اتخذنا خطوات لا ندع فيها مجالا للشك بأننا وحلفاءنا سنتمسك بالتزامنا بالدفاع عن كل شبر من أراضي الناتو.
وعملنا بلا كلل لحشد الحلفاء والشركاء حول مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها وحرمان بوتين من تحقيق أهدافه الاستراتيجية.
ومنذ اليوم الأول لإدارته، ركز الرئيس بايدن على إعادة بناء وتنشيط تحالفات أميركا وشراكاتها، إدراكا منه أننا أقوى عندما نعمل جنبا إلى جنب مع أولئك الذين يشاركوننا مصالحنا وقيمنا.
في الفترة التي سبقت الغزو الروسي، أظهرنا قوة تلك الشراكات – بتنسيق تخطيطنا واستراتيجيتنا لغزو محتمل مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع الكبرى وحلفاء وشركاء آخرين من جميع أنحاء العالم.
خلال تلك الأسابيع المصيرية في شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2022، أصبح من الواضح أنه لن يغير أي قدر من الجهد الدبلوماسي رأي الرئيس بوتين. سيختار الحرب.
وهكذا، في 17 شباط/فبراير 2022، ذهبتُ للتحدث أمام مجلس الأمن الدولي لتحذير العالم من أن روسيا كانت تخطط لغزو واسع النطاق لأوكرانيا.
لقد حددت الخطوات التي قد تتخذها روسيا: أولا اختلاق ذريعة، ثم استخدام الصواريخ والدبابات والقوات والهجمات السيبرانية لضرب أهداف محددة مسبقا، بما في ذلك كييف بهدف الإطاحة بالحكومة الأوكرانية المنتخبة ديمقراطيا.
كنا نأمل – كنا نأمل – أن يتم أثبات أننا على خطأ.
ولكن لسوء الحظ، كنا على حق. بعد أسبوع من تحذيري لمجلس الأمن، قام الرئيس بوتين بالغزو. وهبّ الأوكرانيون من جميع مناحي الحياة – الجنود والمواطنون، الرجال والنساء، الصغار والكبار – للدفاع ببسالة وشجاعة عن دولتهم.
وتحركت الولايات المتحدة بسرعة وحسم وبانسجام مع الحلفاء والشركاء للقيام بالضبط بما قلنا إننا سنفعله: ألا وهو دعم أوكرانيا، وفرض التكاليف باهظة على روسيا، وتعزيز الناتو – كل هذا مع حلفائنا وشركائنا.
وبدعمنا الجماعي، فعلت أوكرانيا ما قالت إنها ستفعله: دافعت عن أراضيها واستقلاليتها وديمقراطيتها.
ما أريد القيام به، اليوم، هو توضيح هذا والعديد من الطرق الأخرى التي تبين أن حرب بوتين العدوانية ضد أوكرانيا كانت بمثابة فشل استراتيجي – حيث قلصت إلى حد كبير من القوة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية لروسيا وتأثيرها لسنوات قادمة. وسأشارك رؤيتنا للسبيل إلى سلام عادل ودائم.
عندما تنظرون إلى الأهداف والغايات الاستراتيجية طويلة الأجل للرئيس بوتين، فلا شك في أن: روسيا أسوأ حالا اليوم مما كانت عليه قبل غزوها الشامل لأوكرانيا عسكريا واقتصاديا وجيوسياسيا.
وحيثما كان بوتين يهدف إلى استعراض القوة، فقد كشف عن ضعفه. وحيثما كان ينوي زرع التفرقة والانقسام، فقد أدى إلى الوحدة والاتحاد (بين أعضاء الناتو). وما كان يسعى لمنعه، فقد عجل بحدوثه. وهذه النتيجة ليست مصادفة. إنها نتيجة مباشرة لشجاعة وتضامن الشعب الأوكراني والعمل المتعمد والحاسم والسريع الذي اتخذناه نحن وشركاؤنا لدعم أوكرانيا.
أولا، سعى الرئيس بوتين لسنوات إلى إضعاف حلف شمال الأطلسي وتقسيمه، تحت الادعاء الكاذب بأنه يشكل تهديدا لروسيا. في الواقع، قبل غزو روسيا لشبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا في عام 2014، عكس موقف الناتو قناعة مشتركة بأن الصراع في أوروبا غير وارد. وخفضت الولايات المتحدة قواتها في أوروبا بشكل كبير منذ نهاية الحرب الباردة، من 315000 في عام 1989، إلى 61000 في نهاية عام 2013. وكان إنفاق العديد من الدول الأوروبية على الدفاع في انخفاض لسنوات. وكانت عقيدة الناتو الاستراتيجية في ذلك الوقت تصف روسيا بأنها شريك.
بعد غزو روسيا لشبه جزيرة القرم وإقليم دونباس في عام 2014، بدأ هذا المد في التحول. فقد التزم الحلفاء بإنفاق اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع ونشروا قوات جديدة في الجناح الشرقي لحلف الناتو ردا على العدوان الروسي. وقد سرّع الحلف تحوله منذ الغزو الروسي الشامل. ليس من أجل أن يشكل تهديدًا أو لأن الناتو يسعى إلى الصراع. فلطالما كان حلف الناتو – ولا يزال – تحالفًا دفاعيًا. لكن اعتداء روسيا وتهديداتها واستعراض القوة النووية أجبرنا على تعزيز قوة الردع لدين ودفاعاتنا.
بعد ساعات من الغزو الشامل، قمنا بتنشيط قوة الرد الدفاعية التابعة لحلف الناتو. وفي الأسابيع التي تلت ذلك، سارع العديد من الحلفاء – بما في ذلك المملكة المتحدة وألمانيا وهولندا والدنمارك وإسبانيا وفرنسا – إلى إرسال قوات وطائرات وسفن لتعزيز الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلنطي. وضاعفنا عدد السفن التي تقوم بدوريات في بحر الشمال وبحر البلطيق، وضاعفنا عدد المجموعات القتالية في المنطقة. وأنشأت الولايات المتحدة أول وجود عسكري دائم لها في بولندا. وبالطبع، أضاف الناتو فنلندا باعتبارها الحليف الـ 31 فيه، وسيضيف قريبا السويد الحليف الـ 32.
وبينما نتجه إلى قمة الناتو في فيلنيوس، ستكون رسالتنا المشتركة واضحة: حلفاء الناتو ملتزمون بتعزيز الردع والدفاع، وإنفاق دفاعي أكبر وأكثر ذكاء، وعلاقات أعمق مع الشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لا يزال باب الناتو مفتوحا أمام الأعضاء الجدد، وسيبقى مفتوحا.
كما دفع الغزو الروسي الاتحاد الأوروبي إلى بذل المزيد من الجهد – وأكثر مع الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي – أكثر من أي وقت مضى. وقدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أكثر من 75 مليار دولار من الدعم العسكري والاقتصادي والإنساني لأوكرانيا. ويشمل ذلك 18 مليار دولار من المساعدات الأمنية من أنظمة الدفاع الجوي إلى دبابات ليوبارد إلى الذخيرة. وبالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والشركاء الآخرين، أطلق الاتحاد الأوروبي عقوباته الأكثر طموحا على الإطلاق، إذ شلّ حركة أكثر من نصف الأصول السيادية لروسيا. واستقبلت الدول الأوروبية أكثر من 8 ملايين لاجئ أوكراني، معظمهم لم يحصلوا على الخدمات العامة فحسب، بل أيضا الحق في العمل والدراسة.
ثانيا، عملت موسكو على مدى عقود من الزمن على تعميق اعتماد أوروبا على روسيا في النفط والغاز. ومنذ الغزو الشامل للرئيس بوتين، قامت أوروبا بتحول سريع وحاسم بالابتعاد عن الطاقة الروسية. وألغت برلين على الفور خط نورد ستريم 2 الذي كان سيضاعف تدفق الغاز الروسي إلى ألمانيا.
قبل غزو بوتين، كانت الدول الأوروبية تستورد 37 في المئة من غازها الطبيعي من روسيا. ثم خفضت أوروبا ذلك بأكثر من النصف في أقل من عام. وفي عام 2022، أنتجت دول الاتحاد الأوروبي رقما قياسيا بلغ خُمس طاقتها من الكهرباء من خلال الرياح والطاقة الشمسية – وهي طاقة كهربائية أكثر من الطاقة المولدة في الاتحاد الأوروبي من خلال الفحم أو الغاز أو أي مصدر طاقة آخر. وضاعفت الولايات المتحدة إمداداتنا من الغاز إلى أوروبا.
وفي الوقت نفسه، فإن سقف أسعار النفط الذي وضعناه نحن وشركاؤنا في مجموعة الدول السبع الكبرى أبقى الطاقة الروسية في السوق العالمية، مع خفض الإيرادات الروسية بشكل كبير. وبعد عام من الغزو الذي شنته روسيا، انخفضت عائدات النفط الروسية بنسبة 43 في المئة. وانخفضت عائدات الحكومة الروسية الضريبية من النفط والغاز بنحو الثلثين. ولن تستعيد موسكو الأسواق التي فقدتها في أوروبا.
ثالثا، أمضى الرئيس بوتين عقدين من الزمن في محاولة لبناء الجيش الروسي ليصبح قوة حديثة، بأسلحة متطورة، وقيادة مبسطة، وجنود مدربين تدريبا جيدا ومجهزين تجهيزا جيدا. وكثيرا ما ادعى الكرملين أن لديه ثاني أقوى جيش في العالم – وصدق الكثيرون ذلك. واليوم، يرى كثيرون أن المؤسسة العسكرية الروسية هي ثاني أقوى مؤسسة عسكرية في أوكرانيا فمعداتها وتقنياتها وقيادتها وقواتها واستراتيجيتها وتكتيكاتها ومعنوياتها تشكل دراسة حالة للفشل، حتى في الوقت الذي تلحق فيه موسكو أضرارا مدمرة وعشوائية وغير مبررة بأوكرانيا والأوكرانيين.
وتشير التقديرات إلى أن روسيا تكبدت من أكثر من 100 ألف ضحية في الأشهر الستة الماضية وحدها، حيث يرسل بوتين موجة تلو الأخرى من الروس إلى مفرمة لحم من صنعه.
وفي الوقت نفسه، أدت العقوبات وضوابط التصدير التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وشركاء آخرون في جميع أنحاء العالم إلى تدهور شديد في آلة الحرب الروسية وصادراتها الدفاعية، مما أدى إلى تراجعها لسنوات قادمة. لم يعد بإمكان الشركاء والزبائن العالميين للمنتجات الدفاعية الروسية الاعتماد على الطلبات الموعودة، ناهيك عن قطع الغيار. وحين يشاهدون الأداء الضعيف لروسيا في ساحة المعركة، سوف يأخذون أعمالهم بشكل متزايد إلى مكان آخر.
رابعا، أراد الرئيس بوتين بناء روسيا كقوة اقتصادية عالمية. ولكن غزوه عزز فشله الطويل الأمد في تنويع اقتصاد روسيا، وتعزيز رأس مالها البشري، ودمج البلاد بالكامل في الاقتصاد العالمي. واليوم، أصبح الاقتصاد الروسي ظلا لما كان عليه، وجزءا صغيرا مما كان يمكن أن يصبح عليه لو استثمر بوتين في التكنولوجيا والابتكار بدلا من الأسلحة والحرب.
وانخفضت احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي بأكثر من النصف، وكذلك الأرباح من الشركات المملوكة للدولة. وخفضت أكثر من 1700 شركة أجنبية عملياتها في روسيا أو علقتها أو أنهتها تماما منذ بداية الغزو. هذا يعني اختفاء عشرات الآلاف من الوظائف، وهروب هائل من الخبرة الأجنبية، ومليارات الدولارات من الإيرادات المفقودة للكرملين.
وقد فر مليون شخص من روسيا، بما في ذلك العديد من كبار المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات ورواد الأعمال والمهندسين والأطباء والأساتذة والصحفيين والعلماء في البلاد. كما غادر عدد لا يحصى من الفنانين والكتاب والمخرجين السينمائيين والموسيقيين، إذ لم يروا أي مستقبل لأنفسهم في بلد لا يمكنهم فيه التعبير عن أنفسهم بحرية.
خامسا، استثمر الرئيس بوتين جهدا كبيرا لإظهار أن روسيا يمكن أن تكون شريكا مهما للصين. وعشية الغزو، أعلنت بكين وموسكو أطلاق شراكة “بلا حدود”. وبعد ثمانية عشر شهرا من الغزو، باتت تلك الشراكة الثنائية الاتجاه تبدو أحادية الجانب أكثر فأكثر. لقد كان عدوان بوتين واستخدام الاعتماد الاستراتيجي على روسيا كسلاح بمثابة دعوة للاستيقاظ للحكومات في جميع أنحاء العالم لبذل الجهود للحد من المخاطر. ومعا، تتخذ الولايات المتحدة وشركاؤنا خطوات للحد من نقاط الضعف هذه، من بناء سلاسل توريد حرجة أكثر مرونة إلى تعزيز أدواتنا المشتركة لمواجهة الإكراه الاقتصادي.
لذا فإن العدوان الروسي لم يصرف انتباهنا عن مواجهة التحديات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لقد أدى في الواقع إلى زيادة تركيزنا عليها. ودعمنا لأوكرانيا لم يضعف قدراتنا على مواجهة التهديدات المحتملة من الصين أو أي مكان آخر – بل لقد عززها. ونحن نعتقد أن بكين تلاحظ أن العالم، وبعيدًا عن التعرض للترهيب من خلال الانتهاك القوي لميثاق الأمم المتحدة، قد احتشد للدفاع عنها.
سادسًا، قبل الحرب، استخدم الرئيس بوتين بانتظام نفوذ روسيا في المنظمات الدولية لمحاولة إضعاف ميثاق الأمم المتحدة. اليوم، أصبحت روسيا أكثر عزلة على المسرح العالمي من أي وقت مضى. فقد صوتت 140 دولة على الأقل – ثلثا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة – مرارًا وتكرارًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة لتأكيد سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، ورفض محاولات بوتين لضم الأراضي الأوكرانية بشكل غير قانوني، وإدانة العدوان الروسي والفظائع التي ارتكبها، والدعوة إلى سلام يتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. لقد صوتت الحكومات من الغرب والشرق والشمال والجنوب على تعليق عضوية روسيا في العديد من المؤسسات، من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى منظمة الطيران المدني الدولي. وخسر المرشحون الروس انتخابات تلو الأخرى لشغل مقاعد رئيسية في المؤسسات الدولية، من مجلس إدارة منظمة اليونيسف إلى قيادة وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الاتحاد الدولي للاتصالات.
كل توبيخ وخسارة لموسكو ليس فقط تصويتًا ضد العدوان الروسي، إنه تصويت على المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة. والدول من جميع أنحاء العالم تدعم الجهود المبذولة لمحاسبة روسيا على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها، بدءًا من إنشاء لجنة خاصة للأمم المتحدة لتوثيق الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت في الحرب الروسية إلى المساعدة في التحقيقات من قبل المدعين العامين في أوكرانيا وفي المحكمة الجنائية الدولية.
سابعًا، لقد سعى الرئيس بوتين لسنوات إلى فصل الغرب عن بقية العالم، مدعيًا أن روسيا تعمل على تحقيق أفضل مصالح العالم النامي. واليوم، وبفضل الإعلان الصريح عن طموحاته الإمبريالية واستخدام الغذاء والوقود كسلاح، قلص الرئيس بوتين النفوذ الروسي في كل قارة. إن جهود بوتين لإعادة تشكيل إمبراطورية كانت منذ قرون ذكّرت كل دولة عانت من الحكم الاستعماري والقمع بألمها. وبعد ذلك، فاقم المصاعب الاقتصادية التي كانت العديد من الدول تعاني منها بالفعل بسبب فيروس كوفيد وتغير المناخ من خلال قطع الحبوب الأوكرانية عن الأسواق العالمية ورفع تكلفة الغذاء والوقود في كل مكان.
وعلى النقيض من ذلك، في تحدٍ عالمي تلو الآخر، أثبتت الولايات المتحدة وشركاؤها أن تركيزنا على أوكرانيا لن يصرف انتباهنا عن العمل على تحسين حياة الناس في جميع أنحاء العالم، ومعالجة التكاليف المتتالية للعدوان الروسي.
لقد حالت معونتنا الغذائية الطارئة غير المسبوقة دون موت ملايين الناس جوعًا. ففي العام الماضي وحده، قدمت الولايات المتحدة 13.5 مليار دولار كمساعدات غذائية. والولايات المتحدة تقوم حاليًا بتمويل أكثر من نصف ميزانية برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بينما تمول روسيا بأقل من واحد بالمئة.
وقمنا بدعم اتفاق، تفاوض بشأنه الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش وتركيا لكسر القبضة الروسية الخانقة على الحبوب الأوكرانية، يسمح بخروج 29 مليون طن من المواد الغذائية، والعدد يتزايد، من أوكرانيا لتصل للناس في جميع أنحاء العالم. ويشمل ذلك 8 ملايين طن من القمح، أي ما يعادل حوالي 16 مليار رغيف خبز.
وجنبًا إلى جنب مع الحلفاء والشركاء، نقوم بجمع مئات المليارات من الأموال لتمويل البنية التحتية عالية الجودة في البلدان التي هي في أمسّ الحاجة إليها، وبنائها بطريقة تكون شفافة، ومفيدة للبيئة، وتعمل على تمكين العمال المحليين والمجتمعات المحلية.
ونحن نعمل على تعزيز الأمن الصحي العالمي، من تدريب نصف مليون متخصص في مجال الصحة في نصف الكرة الغربي بمنطقتنا، في الأميركتين، إلى مساعدة شركة موديرنا للأدوية في وضع اللمسات الأخيرة على خططها مع كينيا لبناء أول منشأة لها لتصنيع لقاح بتقنية مرسال الحمض النووي الريبي في أفريقيا.
إننا، مرة تلو الأخرى، نُظهر من الذي يؤجج المشاكل العالمية ومن الذي يحلها.
وأخيرًا، كان وما زال الهدف الأساسي للرئيس بوتين – في الواقع، هوسه – هو محو فكرة أوكرانيا ذاتها – هويتها وشعبها وثقافتها ومؤسستها وأراضيها. ولكن هنا أيضًا، أدت تصرفات بوتين إلى إحداث تأثير معاكس. فلم يقم أحد بتعزيز الهوية الوطنية لأوكرانيا أكثر من الرجل الذي سعى إلى القضاء عليها. ولم يقم أحد بالمزيد لتعميق وحدة وتضامن الأوكرانيين. ولم يقم أحد بالمزيد لتكثيف عزم الأوكرانيين على كتابة مستقبلهم بشروطهم الخاصة.
أوكرانيا لن تكون روسيا أبدًا. أوكرانيا تتمتع بالسيادة، ومستقلة، وتتحكم بحزم في مصيرها. وفي هذا – الهدف الأساسي لبوتين – فقد فشل بشكل مذهل.
ويزعم الرئيس بوتين باستمرار أن الولايات المتحدة وأوروبا والدول التي تدعم أوكرانيا عازمة على هزيمة روسيا أو تدميرها، وعلى الإطاحة بحكومتها، وعلى كبح جماح شعبها. هذا خطأ. فنحن لا نسعى إلى الإطاحة بالحكومة الروسية، ولم نسعَ إلى ذلك أبدًا. إن مستقبل روسيا متروك للروس ليقرروه بأنفسهم.
لا خلاف بيننا وبين الشعب الروسي الذي لم يكن له رأي في بدء هذه الحرب المأساوية. إننا نأسف لأن بوتين يرسل عشرات الآلاف من الروس إلى حتفهم في حرب يمكن أن ينهيها الآن، إذا اختار ذلك، وتُحدِث تأثيرًا مدمرًا على اقتصاد روسيا وحظوظها. في الواقع، يجب أن يُطرح هذا السؤال: كيف أدت حرب بوتين إلى تحسين حياة أو مصدر رزق أو حظوظ المواطنين الروس العاديين؟
إن كل ما نقوم به نحن وحلفاؤنا وشركاؤنا ردًا على غزو بوتين له نفس الغرض: مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها واستقلالها، والدفاع عن القواعد والمبادئ الدولية التي تهددها حرب بوتين المستمرة.
اسمحوا لي أن أقول مباشرة للشعب الروسي: الولايات المتحدة ليست عدوكم. في النهاية السلمية للحرب الباردة، تشاركنا آمالكم في أن تخرج روسيا منها إلى مستقبل أكثر إشراقًا، حرة ومنفتحة، ومتكاملة تمامًا مع العالم. وعلى مدى أكثر من 30 عامًا، عملنا على تحقيق علاقات مستقرة وتعاونية مع موسكو، لأننا اعتقدنا أن روسيا سلمية وآمنة ومزدهرة هي في مصلحة أميركا – بل في الواقع في مصلحة العالم. وما زلنا نعتقد ذلك اليوم.
لا يمكننا أن نختار لكم مستقبلكم، ولن نحاول ذلك. لكننا أيضًا لن ندع الرئيس بوتين يفرض إرادته على الدول الأخرى. إن موسكو يجب أن تتعامل مع استقلال وسيادة ووحدة أراضي جيرانها بالاحترام ذاته الذي تطالب به لروسيا.
والآن، كما أوضحتُ، بكل المقاييس تقريبًا، كان غزو الرئيس بوتين لأوكرانيا فشلًا استراتيجيًا. ومع ذلك، بينما فشل بوتين في تحقيق أهدافه، فإنه لم يتخل عنها. إنه مقتنع بأنه يمكنه ببساطة الصمود أكثر من أوكرانيا وداعميها – إذ يقوم بإرسال المزيد والمزيد من الروس إلى حتفهم، والتسبب في المزيد والمزيد من المعاناة للمدنيين الأوكرانيين. وهو يعتقد أنه حتى لو خسر المباراة القصيرة، فلا يزال بإمكانه الفوز بالمباراة الطويلة. بوتين مخطئ في هذا أيضًا.
إن الولايات المتحدة – جنبًا إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا – ملتزمة بشدة بدعم الدفاع عن أوكرانيا اليوم وغدًا وللمدة التي يتطلبها الأمر. وفي أميركا، هذا الدعم هو من الحزبين. ولأننا على وجه التحديد ليست لدينا أوهام بشأن تطلعات بوتين، فإننا نعتقد أن الشرط المسبق لدبلوماسية هادفة وسلام حقيقي يتمثل في أوكرانيا أقوى، قادرة على ردع أي عدوان في المستقبل والدفاع عن نفسها ضده.
لقد حشدنا فريقًا رائعًا حول هذا المسعى. فبقيادة الوزير أوستن، تتعاون أكثر من 50 دولة من خلال مجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا. ونحن نقود بقوة مثالنا، حيث نقدم عشرات المليارات من الدولارات في شكل مساعدات أمنية لأوكرانيا، مع دعم قوي وثابت من كلا الجانبين في الكونغرس الأميركي.
واليوم، تساعد أميركا وحلفاؤنا وشركاؤنا في تلبية احتياجات أوكرانيا في ساحة المعركة الحالية، مع تطوير قوة يمكنها ردع العدوان والدفاع ضده لسنوات قادمة. وهذا يعني المساعدة في بناء جيش أوكراني للمستقبل، بتمويل طويل الأجل، وقوة جوية شديدة البأس تتركز حول طائرات قتالية حديثة، وشبكة دفاع جوي وصاروخي متكامل، ودبابات ومركبات مدرعة متطورة، وقدرة وطنية على إنتاج الذخيرة، والتدريب والدعم اللازمين لإبقاء القوات والمعدات جاهزة للقتال.
وهذا يعني أيضًا أن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) ستكون مسألة يقررها الحلفاء وأوكرانيا – وليس روسيا. إن الطريق إلى السلام لن يتم تشكيله فقط من خلال القوة العسكرية طويلة المدى لأوكرانيا، ولكن أيضًا من خلال قوة اقتصادها وديمقراطيتها. وهذا هو جوهر رؤيتنا للمضي قدمًا: يجب ألا تبقى أوكرانيا على قيد الحياة فحسب، بل يجب أن تزدهر. ولكي تكون أوكرانيا قوية بما يكفي لردع المعتدين والدفاع ضدهم خارج حدودها، فإنها تحتاج إلى ديمقراطية نابضة بالحياة ومزدهرة داخل حدودها.
هذا هو المسار الذي صوّت له الشعب الأوكراني عندما حصل على استقلاله في عام 1991. إنه الخيار الذي دافعوا عنه في ساحة ميدان عام 2004 ومرة أخرى في عام 2013: مجتمع حر ومنفتح، يحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون، مندمج ومتكامل تمامًا مع أوروبا، حيث يتمتع جميع الأوكرانيين بالكرامة والفرصة لتحقيق إمكاناتهم الكاملة – وحيث تستجيب الحكومة لاحتياجات شعبها، وليس لاحتياجات المصالح الخاصة والنخب.
نحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء لمساعدة الأوكرانيين على جعل رؤيتهم حقيقة واقعة. لن نساعد أوكرانيا على إعادة بناء اقتصادها فحسب، بل إعادة تصوره من خلال الصناعات الجديدة وطرق التجارة وسلاسل التوريد المرتبطة بأوروبا والأسواق حول العالم. وسنستمر في دعم هيئات مكافحة الفساد المستقلة في أوكرانيا، والصحافة الحرة والنابضة بالحياة، ومنظمات المجتمع المدني. سنساعد أوكرانيا على إصلاح شبكة الطاقة الخاصة بها – والتي دمرت روسيا أكثر من نصفها – ونفعل ذلك بطريقة أنظف وأكثر مرونة وأكثر تكاملا مع جيرانها، بحيث يمكن لأوكرانيا يومًا ما أن تصبح مُصدِّرًا للطاقة.
يعد تكامل أوكرانيا الأكبر مع أوروبا أمرًا حيويًا لجميع هذه الجهود. وقد اتخذت كييف خطوة عملاقة في هذا الاتجاه في حزيران/يونيو الماضي، عندما منح الاتحاد رسميًا أوكرانيا وضع المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي. وتعمل كييف على إحراز تقدم نحو معايير الاتحاد الأوروبي حتى في الوقت الذي تكافح فيه من أجل بقائها.
إن الاستثمار في قوة أوكرانيا ليس على حساب الدبلوماسية. إنه يمهد الطريق للدبلوماسية. لقد قال الرئيس زيلينسكي مرارًا وتكرارًا إن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لإنهاء هذه الحرب، ونحن نتفق معه. وفي كانون الأول/ديسمبر، طرح رؤية لسلام عادل ودائم. لكن بدلا من التواصل بشأن هذا الاقتراح أو حتى تقديم اقتراح خاص به، قال الرئيس بوتين إنه لا يوجد شيء يمكن الحديث عنه حتى تقبل أوكرانيا، وأنا هنا أنقل قوله، “حقائق إقليمية جديدة” – وبعبارة أخرى، قبول استيلاء روسيا على 20 في المئة من أراضي أوكرانيا. لقد قضى بوتين الشتاء وهو يحاول تجميد المدنيين الأوكرانيين حتى الموت، ثم قضى الربيع وهو يحاول قصفهم حتى الموت. يومًا بعد يوم، وروسيا تمطر الصواريخ والطائرات المُسيّرة على المباني السكنية والمدارس والمستشفيات الأوكرانية.
الآن، من بعيد، من السهل أن تصبح فاقد الاحساس تجاه هذه الفظائع وغيرها من الفظائع الروسية، مثل غارة الطائرات المُسيّرة في الأسبوع الماضي على عيادة طبية في دنيبرو، والتي قتلت أربعة أشخاص، من بينهم أطباء؛ أو الغارات الـ 17 على كييف في شهر أيار/مايو وحده، والعديد منها باستخدام صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت؛ أو الهجوم الصاروخي في نيسان/أبريل على مدينة أومان – على بعد مئات الأميال من الخطوط الأمامية – والذي قُتل فيه 23 مدنيًا. لقد أصاب القصف الصاروخي عدة بنايات سكنية في أومان قبل الفجر. وفي إحدى تلك البنايات، هرع أب، دميترو، إلى الغرفة التي كان ينام فيها طفلاه – كيريلو، 17 عامًا، وصوفيا، 11 عامًا. ولكن عندما فتح باب غرفة نومهما، لم تكن هناك غرفة، فقط نار ودخان. لقد ذهب طفلاه. لقد تم إزهاق نفسين بريئتين أخريين. اثنان من الأطفال الستة الذين قتلتهم روسيا في غارة واحدة. اثنان من آلاف الأطفال الأوكرانيين الذين قتلتهم حرب العدوان الروسي. وأصيب آلاف آخرون، بالإضافة إلى آلاف آخرين اختطفتهم روسيا من عائلاتهم وأعطتهم عائلات روسية. ونزح الملايين. جميعهم جزء من جيل من الأطفال الأوكرانيين الذين تعرضوا للإرهاب والصدمات والجراح النفسية من جراء حرب بوتين العدوانية، وكلهم يذكّروننا لماذا يلتزم الأوكرانيون بشدة بالدفاع عن أمتهم ولماذا يستحقون – يستحقون – سلامًا عادلًا ودائمًا.
الآن، يجادل البعض بأنه إذا أرادت الولايات المتحدة السلام حقًا، فإننا سنوقف دعم أوكرانيا، وإذا أرادت أوكرانيا حقًا إنهاء الحرب، فإنها ستقلص خسائرها وتتخلى عن خُمس أراضيها التي تحتلها روسيا بشكل غير قانوني. دعونا نفند هذا لمدة دقيقة. أي جيران لروسيا سيشعرون بالثقة في سيادتهم وسلامة أراضيهم إذا تمت مكافأة عدوان بوتين بخُمس أراضي أوكرانيا؟
وفي هذا الصدد، كيف يمكن لأي بلد يعيش بالقرب من متنمر له تاريخ من التهديدات والعدوان أن يشعر بالأمان داخل حدوده؟ ما هو الدرس الذي سيتعلمه المعتدون المحتملون الآخرون في جميع أنحاء العالم إذا سُمح لبوتين بانتهاك أحد المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة مع الإفلات من العقاب؟ وكم مرة في التاريخ كان المعتدون الذين استولوا على كل أو جزء من دولة مجاورة راضين وتوقفوا عند هذا الحد؟ متى أرضى ذلك فلاديمير بوتين؟
تعمل الولايات المتحدة مع أوكرانيا – والحلفاء والشركاء في جميع أنحاء العالم – لبناء إجماع حول العناصر الأساسية لسلام عادل ودائم. ولكي نكون واضحين، فإن الولايات المتحدة ترحب بأي مبادرة تساعد في جلب الرئيس بوتين إلى طاولة المفاوضات للانخراط في دبلوماسية هادفة. سندعم الجهود – سواء من جانب البرازيل أو الصين أو أي دولة أخرى – إذا ساعدت في إيجاد طريقة لتحقيق سلام عادل ودائم بما يتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وإليكم ما يعنيه ذلك.
السلام العادل والدائم يجب أن يتمسك بميثاق الأمم المتحدة ويؤكد مبادئ السيادة وسلامة الأراضي والاستقلال.
السلام العادل والدائم يتطلب مشاركة أوكرانيا الكاملة وموافقتها – لا شيء بخصوص أوكرانيا بدون أوكرانيا.
السلام العادل والدائم يجب أن يدعم إعادة إعمار أوكرانيا وتعافيها، مع دفع روسيا نصيبها.
السلام العادل والدائم يجب أن يتناول كلا من المساءلة والمصالحة.
السلام العادل والدائم يمكن أن يفتح طريقا لتخفيف العقوبات مرتبطًا بأعمال ملموسة، وخاصة الانسحاب العسكري. السلام العادل والدائم يجب أن ينهي حرب العدوان الروسي.
الآن، خلال الأسابيع والأشهر القادمة، ستطالب بعض الدول بوقف إطلاق النار. وعلى السطح، يبدو ذلك منطقيًا – بل حتى جذابًا. بعد كل شيء، من الذي لا يريد للطرفين المتحاربين إلقاء أسلحتهما؟ من الذي لا يريد أن يتوقف القتل؟
لكن وقف إطلاق النار الذي يجمّد الخطوط الحالية ويُمكّن بوتين من تعزيز سيطرته على الأراضي التي استولى عليها، ثم الاستراحة وإعادة التسلح وإعادة الهجوم – فهذا ليس سلامًا عادلًا ودائمًا. إنه سلام بوتيمكين، سلام مخادع. من شأنه إضفاء الشرعية على استيلاء روسيا على الأراضي. يكافئ المعتدي ويعاقب الضحية.
إذا كانت روسيا مستعدة للعمل من أجل سلام حقيقي، وعندما تكون مستعدة لذلك، فإن الولايات المتحدة سترد بالتنسيق مع أوكرانيا وغيرها من الحلفاء والشركاء في جميع أنحاء العالم. وإلى جانب أوكرانيا والحلفاء والشركاء، سنكون مستعدين لإجراء مناقشة أوسع حول الأمن الأوروبي الذي يعزز الاستقرار والشفافية ويقلل من احتمالية نشوب صراع في المستقبل.
في الأسابيع والأشهر المقبلة، ستواصل الولايات المتحدة العمل مع أوكرانيا، ومع حلفائنا وشركائنا، وأي وجميع الأطراف المكرسة لدعم سلام عادل ودائم على أساس هذه المبادئ.
في 4 نيسان/أبريل 1949، أي قبل 74 عامًا من انضمام فنلندا إلى حلف الناتو، اجتمع الأعضاء الأصليون للحلف في واشنطن للتوقيع على المعاهدة التأسيسية للحلف. حذر الرئيس ترومان المجموعة قائلا، وأنا هنا أنقل مقولته، “لا يمكننا أن ننجح إذا كانت شعوبنا يطاردها الخوف المستمر من العدوان ومثقلة بتكلفة إعداد بلادهم بشكل فردي ضد الهجوم. [نحن] نأمل في إنشاء درع ضد العدوان والخوف من العدوان – حصن سيسمح لنا بمواصلة العمل الحقيقي المتمثل في … تحقيق حياة أكمل وأكثر سعادة لجميع مواطنينا”.
الشيء نفسه صحيح اليوم. لا توجد دولة – لا أوكرانيا، ولا الولايات المتحدة، ولا فنلندا، ولا السويد، أو أي دولة أخرى – يمكنها الوفاء بمتطلبات شعبها إذا كانت تعيش في خوف دائم من العدوان. لهذا السبب لدينا جميعًا مصلحة في ضمان أن تكون حرب الرئيس بوتين العدوانية ضد أوكرانيا فشلا استراتيجيًا مستمرًا.
في خطابه بمناسبة العام الجديد للشعب الفنلندي، حدد الرئيس نينيستو أحد العيوب الأساسية في خطة الرئيس بوتين لغزو أوكرانيا بسرعة – وهو عيب قضى أيضًا على خطة ستالين لغزو فنلندا بسرعة. وكما قال الرئيس نينيستو، وأنا هنا أنقل قوله، “بصفتهما قائدين لبلد خاضع للحكم الاستبدادي، فشل ستالين وبوتين في إدراك … أن الناس الذين يعيشون في بلد حر لديهم إرادتهم وقناعاتهم الخاصة. وأن الأمة التي تعمل معًا تشكل قوة هائلة”.
الفنلنديون لديهم كلمة لهذا المزيج الرهيب من الإرادة والتصميم: سيسو. وهم يدركون سيسو في كفاح ونضال الأوكرانيين اليوم. وعندما يحصل شعب حر مثل الأوكرانيين على دعم الدول الحرة في جميع أنحاء العالم – الدول التي تدرك أن مصيرها وحرياتها وحقوقها وأمنها مرتبطة ببعضها البعض بشكل لا ينفصم – فإن القوة التي يمتلكونها ليست مجرد قوة هائلة. إنها قوة لا يمكن إيقافها.
شكرًا جزيلا لكم. (تصفيق.)
للاطلاع على النص الأصلي
https://www.state.gov/russias-strategic-failure-and-ukraines-secure-future/
هذه الترجمة هي خدمة مجانية، مع الأخذ بالاعتبار أن النص الانجليزي الأصلي هو النص الرسمي.